لماذا أكره هارفارد..؟

إعلان

هارفارد..

إحدى أشهر الجامعات حول العالم.. من منا لم يحلم (أو مازال) بالدراسة في جامعة هارفارد بمختلف اختصاصاتها وضروب مجالاتها..

هي مصنع القادة العالميين السياسيين المحنكين والعلماء المؤثرين.. هارفرد جامعة أنجبت رؤساء دول..رؤساء للبنك النقد الدولي أصحاب وممولين لشركات عالمية ضخمة.

لكن.. ما الذي يخفيه هذا المصنع الضخم؟ كيف تستطيع هارفارد تطويع مختلف نماذج الطلبة الذين يأتون من كل أصقاع العالم لنموذج الشخصية “الناجحة الرائدة”..؟

قبل كتابة هذا المقال قمت بحوار مع صديق لي، تونسيّ يدرس بالولايات المتحدة الأمريكيّة، كما اعتمدت كتاب Quiet للكاتبة سوزان كان.

—–

في جامعة هارفارد، وتحديدا في جامعة هارفارد للأعمال Harvard business school، الغاية الأسمى للتكوين المقدم هو صنع قادة قادرين على اتخاذ قرارات فيصليّة رغم شح المعلومات ونقص الحجج.. ذلك ما دفع إلى خلق صورة نمطيّة لطالب هذه المؤسسة تتجسد أساسا في: قوة الشخصية، القدرة على التواصل السلس، صناعة العلاقات الاجتماعية.

قاعات الدرس في هذه الجامعة تنظم عادة بمقاعد وطاولات مرصفة على شكل الحرف اللاتيني U وفي كل حصة من حصص الدرس يضطلع طالب من الطلاب بدور ممثل لشركة عالمية ما ويسعى إلى الدفاع عن قرار ستتخذه تلك الأخيرة. الدور يتمحور حول تقديم والدفاع عن حجج ما أمام ما يقارب التسعين طالبا وإدارة مساءلة يقوم بها باقي الطلاب. هذا العمل هو جوهر التقييم في هذه الجماعة حتى أن له نصيب الأسد في العدد المسند للطالب.. ويعد محددا لنجاح الطالب من عدمه ليس هذا  فحسب بل بهذا التقديم يتحدد مستوى الطالب فإن قلّة مشاركة الطالب فهو فشل له وفشل للأساتذة و للجامعة. حرصا على مكانتها العالمية، قامت جامعة هارفرد بتوفير حلقات دعم ومقابلات مخصوصة للطلبة الأقل مشاركة في القسم أو الفرع.

ترسيخا للصورة النمطية التي تريد هارفارد غرسها في طالبها، تقوم سنويا وفي كل خريف بتنظيم أنموذج يسمى بـSubarctic Survival Situation هذا الانموذج يدوم قرابة ساعتين ونصف الساعة تهدف بالأساس لخلق لحمة تواصلية بين الأفراد. يتم خلال هذا الأنموذج تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة، ويتم وضعهم في اطار زماني ومكاني ما.. مثلا هم ركاب سقطت بهم الطائرة في جزيرة مهجورة وكانوا من الناجين. كل فرد منهم مطالب برسم لائحة متكونة من خمسة عشر غرضا من حطام الطائرة للبقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة (على سبيل المثال لا الحصر: قارورة ماء، بوصلة الخ..) من ثم يتم تقييم كل نفر منهم على حسب خياراته من جهة وتقييم خيارات المجموعة كاملة من جهة أخرى. الفريق الفائز هو الفريق الذي يحصّل مجموع نقاط المجموعة يفوق مجموع نقاط الطلاب الذين في المجموعة كأفراد.

إلى حد هذه اللحظة، الصورة جميلة حد المثالية. لكن المشكل الأساسي لهذا النوع من التكوين، إذ يقصي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة شخصيّة الانطوائي الصامت وإن كان الأذكى أو الأمهر.

 

اقرأ/ي أيضا: ما لم يقل حول أزمة التعليم ! – تدوينة بقلم: أشرف شقير

جامعة هارفرد تحرص دائما على أن يكون طالبها صاحب الصوت الأعلى والموقف الأقوى وإن لم يمتلك المعلومات الكافية والشافية للدفاع عن وجهة نظره أو بناء موقفه. حتى إن خريجي هارفرد المشاهير بمختلف ميادينهم ليسوا بالضرورة الأفضل إنما تبنوا منظومة جامعتهم فنجحوا وبلغوا السماء.

ولكن السؤال المطروح ..

هل بالضرورة أن صاحب الصوت الأعلى هو الأجدر بالثقة والأصوب في الرأي؟

Embed from Getty Images

معايير النجاح هذه لا تتبناها هارفرد فقط بل يتبناها جل سكان الأرض. إذ أن من لديه الثقة الأكبر بنفسه والسيط الأوسع هو من يحوز المراتب الأولى شهرةً وأضواءً وحتى مكانةً في أفئدة الناس وعقلها حتى وإن كانت ميولاته  ضعيفة أو منعدمة أصلا. وفي الجانب الآخر نجد الشخص الهادئ المحبذ للدوائر الاجتماعية الضيقة وإن كان له نصيب لا باس به من المؤهلات والكفاءات لا يستطيع الاستحواذ على نفس القدر من التقدير والاحترام عند المتقبل كالذي يحظى به الصنف الأول .

حتى أن الاحترام والتقدير عند العامة لم يعد يعتمد على النزاهة والشفافية المبادئ والقيم أو حتى الفعالية والنجاعة بل أضحى يعتمد بالأساس على صاحب الصوت الأعلى الواثق من نفسه..

ما الذي دفع لصنع نجاح مثل هذه النماذج دون غيرها؟

العامل الجوهري الأساسي هو الاقتصاد. في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، ومع بداية تشافي الأزمة العالمية، شهد الاقتصاد تحولا جذريا من اقتصاد فلاحي قائم بالأساس على الصناعة والتجارة إلى اقتصاد عماده الأول التجارة. إذ تضاعف عدد المدن وتحضرت القرى، فتحولت المجتمعات من مجتمعات ضيّقة مصغرة إلى مجتمعات عملاقة يعيش فيها آلاف بل ملايين الأشخاص لا تربط بين أغلبهم علاقات عميقة وطيدة.

هذا التحول الاقتصادي خلق تحولا سيكولوجيا جادا. إذ تحولنا من مفاهيم الرجولة، المبادئ، الشرف، الطاعة إلى مفاهيم جديدة تُعنى بالأساس بالخطابة، الجاذبية، السيطرة والتأثير. هذا التحول أجبر الناس على تعلم عدة طرق لبيع المنتوجات أو تسويقها أو على اكتساب مهارات لتقديم خدمة ما. ببساطة، دفع بالناس لعبادة أنموذج واحد ما يسمى بـ “نموذج الـideal extrovert” .

هذا التحول بالذات، أثر على مجتمعاتنا، ودفعنا دفعا لغرس هذا النموذج في أطفالنا، تلاميذنا وطلابنا ليكونوا الأنموذج “الناجح” في محيطنا. وهو أيضا ما دفع بنا إلى تقديس فقاعات مجتمعية خالية الوفاض فكرا وعقلا لا لسبب فقط لتقمصها الأنموذج باحتراف.

إن كان بينكم خليل، قريب، ابن كان أو أخا يحبذون الصمت والعمل في هدوء قليل الكلام ويلجؤون إلى العزلة  هذا لا يعني أنهم يهابون الآخر الغريب ولا أنهم أقل ذكاءا اأو ابداعا. بل ربما العكس هو الأكثر فطنة لكنه يفضل الاستماع على الحديث ويفضل التامل والدرس على الفعل الاني .ربما في اختلافنا حكمة ما.

 

[better-ads type=”banner” banner=”3938″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

اقرأ/ي أيضا: العالم سيقضي “1.2 مليار سنة” أمام الإنترنت في 2019