لا حاجة لي بالعلاج – تدوينة بقلم: مرام الشعاوري

إعلان

لا حاجة لي بالعلاج –

ما بين الموت و الحياة من جديد… برزخ مجهول الإمتداد، ما نفعله هناك مجرد الإنتظار، انتظار المصير فأين ستُوضع نقاط النهايات لتعلن عن بدايات جديدة؟ و عن تواصل سرمدي للحياة… و من هذا المنطلق، هل عليّ أن أدرك أن لا وجود للنهاية بل لا معنى للنهاية؟ هل عليّ أن أفهم أنه مهما حاولنا التخلص من الحياة فإنها ستظل تلحقنا لتتشكل في عناوين مختلفة و جديدة: حياة أثر الولادة و حياة بين الحياتين و أخيرا حياة لا تنتهي و لا تنقضي..

منذ متى أصبحت على هذه الحال؟ منذ متى سئمت الحياة؟ منذ متى تسكنني أشباح الموت؟

لست أذكر تقريبا تلك اللحظة لأنني حينها لم أجرء على فتح عيناي من شدة الخوف و كأنني تحوّلت فجأة إلى فتاة صغيرة تخاف من كل شيء و من اللاشيء.. لست أذكر تلك اللحظة تقريبا ربما لأنني كنت منشغلة بالصراخ و الاستغاثة.. لست أذكر تلك اللحظة تقريبا ربما لأنني حينها كنت أقاوم و أصارع حيوانات انقضت على جسدي الهزيل و كأنني غنيمة.. لست أذكر حتى الساعة لأنني من أثر انتهاء الصراع لم أجد القوة لاستجمع بقايا ذاتي المحطة من الأرض فكيف لي بتلك الحال أن أبحث عن هاتفي بين كل تلك الفوضى لاتفقد الساعة؟

ما أذكره أنني صارعت لدقائق لكنها مرت كدهر طويل ما أذكره أنه و حين كنت أغمض عينايا مر أمامي شريط حياتي؛ طفولتي بالوانها و ضجتها و مشاكستها، مراهقتين بتمردها و عصيانها و بدايات شبابي.. ثم فجأة انقطع البث و انقضت الدقائق و كأنها سنوات.. و حين حولت النهوض شعرت و كأنني قد تحولت إلى شيء هرم.. شيء بلا هوية.. شيء بلا معنى.. شيء بلا أهمية.. مجرد شيء عابر.. فأغمضت عينايا من جديد لافتحهما بعد أسبوعين في مستشفى عمومي، لا أحد إلى جانبي و لكن على الأقل لا زلت أحتفظ بمعظم أجزائي. احضروا لي ثيابي، هاتفي و بطاقة هويتي لكنهم لم يعثروا على ذلك الشيء الثمين إلى جانب أشيائي ربما لهذا بدا الأسى في أعينهم… لكن لم أعد اهتم فأنا قد تحولت إلى شيء على كل حال..

غادرت ذلك المكان المشؤوم بعد حصص علاج غبية لم أتمكن من خلالها ان اقنع نفسي انني لازلت انسان، انني لازلت أشبهني، انني لازلت استحق الحياة… فما الذي سيتغير أن اقتنعت؟ هل سأستطيع أن الجم أفواه الناس؟ هل سأستطيع ان اقتل نظرات الاشمئزاز او نظرات الأسف أو نظرات الشفقة في أعين الناس؟ هل باقتناعي بانني لا زلت انسان سيقنع الناس من حولي انني لازلت حقا انسان؟

[better-ads type=”banner” banner=”4017″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

حصص العلاج.. مجرد تراهات.. لست بحاجة إليها.. لست أنا من بحاجة إلى العلاج بل هم؛ أنا بخير ما دامت عقولهم بخير، أنا سأصبح أفضل ما دامت عقولهم راقية و سليمة، أنا سأستطيع التجاوز طالما أنهم تجاوزوا الشرائع البالية التي تحركهم ليكن لهم العلاج فهم الأحق به؛ أنا أرى أنه يجب البدء من محاربة ثقافة الاغتصاب بترسيخ ثقافة الحب.

ألا نطمس الشيء بنقيضه؟ ليفعلوا إذن! ليعلموا أنفسهم و أبنائهم الحب، ليدخلوا إلى جانب لغات العالم لغة الحب عالجوهم بالحب! قدموا لهم حبات حب عوض حبات المخدر و حبات المسكن. اسكبوا لهم فناجين حب في المقاهي علها تروي ضمأ قلوبهم فترققها. ضعوا لهم الحب على الموائد في الأواني علها تشبع بطونهم. مرروا لهم الحب في التلفاز و في الراديو علهم يرتقون قليلا و يدركون ان لا شيء أجمل من الحب !

لست أنا من بحاجة إلى العلاج صدقوني لست أنا من يجب تشخيص حالتها بل هم! انهم يعانون من متلازمة غريبة، ظنوا ان وجودهم لا يتحقق الا بالانصياع لمظاهر هذه المتلازمة…حتى النساء بتن يتفهمن اعراض هذه المتلازمة فصرن يشرعن ثقافة الاغتصاب و يبررنها. ايبدو هذا طبيعيا؟

صدقوني لست أنا من بحاجة إلى العلاج….

 

لا حاجة لي بالعلاج –

[better-ads type=”banner” banner=”12727″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

اقرأ/ي أيضا: عاهات مجتمعي – تدوينة بقلم: مرام الشعاوري