لامبالاة..! – تدوينة بقلم: فيروز بوغرارو

إعلان

لامبالاة –

كيف لك أن تتقمّص “شخصيّة” الحائط المقابل لشرفة تفتح مصراعيْها على مقبرة قديمة، و تذهبُ بِك الّامُبالاة بعيداً حيثُ تُهاجر الطيور بحثاً عن وطن جديد آمن. رُبّما السّر في هذا الوطن الخفيّ أو رُبّما هوُ قبو مدفون قد خبّأت فيه ما تبقّى من الحبوب لتنثرها طعاماً للطّيور إن عادت، و إن لم تعُد فتحظى بها الأكثر منها حظاً و أوفر.

لامبالاة تكاد من قسوتها تصعق جدار روحي و تُنهي حياة بذُور أزهرت سقَيْتها بخيالي لتنمو و تكبر و ترسُم آمتداد روحي على جدار روحك! لامبالاة تُفكّك عمودي الفقري، فقرة فقرة، ليّصبح رخواً هامداً عاجزاً عن حمل أطنانٍ من رأسٍ أُثقل بهاجس الخُنوع و الركوع و الطّاعة، رأسٌ لا يملك خياراً بعد الآن إلاّ أن ينغمس، بطواعيّة رُغماً عن أنفه، في وحل الذّل و الوهن.

لامبالاة تنتشلني من وُجودي و ترمِيني في عدمِك لِتُغذّيه! تعكِس مسار عقارب كُلّ ساعات العالم، تُطفئ شموع أعياد الميلاد المجيد إحتفالاً و تُخيط كُلّ جواربي المُمزّقة عمداً، تُقيم حفلاً صاخباً في جنازة القدّيس و تَهتِفُ بآسم المسيح أنّ مريم هي كذبة التاريخ! لامبالاة ترتدي أقراطاً من الزّمن و تحتسي كوباً فاخراً من السّنوات المفقودة من حلقات العصر، تُصلّي فجراً في المسجد و عصراً في الكنيسة، تؤمن أحيانا و تُلحد أيضا في كثير من الأحيان إلّا أنّها تدرُس جيّدا قبل آمتحان ليونتها و قسوة الرّيح.. و تُدرك جيّداً أركان المُبالاة في نفسها لتعرِف كيف تسُدُّ ثغرات كادت أن تُعرَّى و تُفضَحَ و تتهشّم صورتها و تذهب هباءًا منثوراً يتقاذفه بحر شديد الهيجان..

لامبالاة تهوَى ريّاضة تسلّق أعالي الجبال و الوثْبِ و السّباحة في الأنهار المُتجمّدة، و تَمْقُتُ مقتاً مريراً فصل الصّيف و الرّبيع… و لكنّها تجهل رائحة الدّخان المُتسرّب منها و عدد القنابل الموقوتة و الألغام المزروعة تحت جلدها.. لامبالاة تهوي بمطرقة الهدم على منابع جذُوري الأولى و تطمُسها، تُصفّق إجلالاً لنظام بوتفليقة و عصابته و كُلّ من أسرفوا في إضاعة وطن نفيسٍ، تبيع بلداً تاريخاً و حضارة لأجل قطعة حلوى بالشوكولا التي تُحبّها، ترتدي قِناع الوطنيّة عبثاً و تُصوّر فِلماً وثائقيّاً تاريخيّاً تُمجّد فيه أبطال بلدها و شهداءه و من ناضلوا لآسترجاع حُرّية منهوبة جَعَلت عَيشهُم بلا طعم و لا رائحة و لا لون، تغتال أصحاب الحقّ و المبادئ و تقودُ جنائزهم و ترمي حِبال اللّوم على كُلّ من باع الوطن!

 

[better-ads type=”banner” banner=”3941″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

 

لامبالاة تؤيّد فكرة العيش السّلمي، ترتدي جُلباب المحبّة و التآخي، تُنادي بآسم الحُب و ترفعُه عن كُلّ الأديان و الطوائف، تُمجّد القُدس الشّريف و تلعن الكيان الصهيوني و تبصق في وجه من قَبِل التطبيع معه، لكنّها لم تُخفي جيّداً آثار تطبيعها معه، و لا إنحيّازها لطائفتها و رفضها كُلّ الرّفض لمن إختلف عنها، تُصفّق خِلسة لمؤامرة مسيحيّة مارونيّة لصالح تفكيك الوحدة الوطنيّة اللّبنانيّة، تشتٍم بمُنتصف كأس فودكا إسرائيليّين يتخابرون لمصلحة حماس و إيران بتِعلّة أنّهم “إسرائيليّين”!، تدعم تخريب الفلسطينيّن للدّول المجاورة فقط لأنّ أرضهم إفتُكّت و تُعادي الأردن لأنها طردتهم من أرضها، و تؤجّج جذور الصّراع في الشّرق الأوسط..

لامبالاة تجهل مواطن الضّعف و القوّة فيها، تُعاني من إنفصام “غير منطقي” حادّ، تُغنّي صباحاً مساءا للحُرّية و تدفعُ روحها فِدية للكرامة الإنسانيّة، لكنّها تُدافع بشراسة عن حكم الإعدام في مصر و تعود ليلاً لتعتني بعشرات القطط و الجراء في بيتها و تُقيمُ مأتماً و عويلاً إن فقدت فرداً منهم..!!! لامبالاة تُقدّس الفكر التّحرّري، تؤمن بالإختلافات كُلّها و تقبلها بصدرٍ رحب، تَقف في صفّ العاملين و الكادحين و المناضلين، تُناصر شعارات ماركس، تولستوي و جيفارا، تقودُ المسيرات السّلمية و تسعى لتأسيس نظام إشتراكي عالمي، لكن عند أوّل نقاشٍ فكريّ يمُسّ ب”خلفيّتها” تُعلنُ حرباً تذهب هيّ ضحيّتها الأولى…

لامبالاة لا تُدرك كمّ الجهل و الفضاعة المُكدّسِ بداخلها، لا تعلم أبجديّات الشّجاعة و الشّهامة و الصّرامة، مُقَيّدة بسلاسل من نار ، تُكابر للخروج من قوقعتها دون جدوى، مُصابة بذُعر من الحقيقة و كُلّ خيط أمل رفيع يدفعُنا نحوها، حائرة في أن تكون درزيّة سنيّة كاثوليكيّة أرتودوكسيّة شيعيّة بوذيّة يهوديّة… و لا تعلم أن أسمى دين هو الإنسانيّة..

لامبالاة لا تعرف الحُب و لا الرّأفة و لا الرّحمة و لا الله… و نسيت كيف تخلع قناع التصنّع فيها، إنصهرت في عنادها و طُغيانها و بطشها.. لامبالاة تُعاني سكيزوفرينيا “خاصّة” حادّة و مُقرفة..

 

لامبالاة..!

[better-ads type=”banner” banner=”3941″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

اقرأ/ي أيضا: الإسلام بين ما يروّج له و جوهره الحقيقي