فيروس كورونا يعمّق الانتهاكات البيئية في تونس

إعلان

كورونا يعمّق الانتهاكات البيئية في تونس –

ألقى فيروس كورونا المستجد بظلال قاتمة على الوضع البيئي في تونس، مستفيدا من غياب التوعية وضعف الرقابة الحكومية، رغم تحذيرات نشطاء المجتمع المدني من المخاطر الصحية والبيئية الناجمة عن رمي المخلفات الطبية في الطبيعة.

 وفي عدد من الشواطئ التونسية بجربة وجرجيس وقابس، تتراكم العشرات من الكمامات المستعملة بمحاذاة البحر، أغلبها مصممة للاستخدام مرة واحدة وهي غير قابلة لإعادة التدوير كما أنها لا تتفكك عضويا وتحتاج لمئات السنين حتى تتحلل ما يجعلها مصدرا للتلوث وخطرا محدقا على الحياة البحرية في حال انتهى بها الأمر في البحر.

 واعتبر الناشط البيئي حسام حمدي، المتحدث باسم شبكة تونس الخضراء (تجمّع يضمّ عددا من الجمعيات المدنية الناشطة في المجال البيئي)، أن الجمعيات الخضراء في تونس في حالة عجز إزاء ما يحصل من انتهاكات بيئية جسيمة تصاعدت وتيرتها منذ تفشي الجائحة الصحية. وقال حمدي، في تصريح لموقع “Youth Magazine” ، “نقوم بالعديد من  حملات التنظيف الميدانية التي نجمع خلالها  أطنانا من النفايات الملقاة في الطبيعة ومنها الكمامات الطبية والعلب البلاستيكية التي زاد استعمالها من قبل المطاعم والمقاهي مع حظر استعمال الأطباق والكؤوس البلورية “.

حسام حمدي

وعبّر المتحدث باسم شبكة تونس الخضراء عن قلقه الشديد إزاء ما تتعرض له البيئة في بلده في غياب استراتيجيات حكومية مستدامة لمعالجة هذا الصنف من النفايات مؤكدا أن 40 بالمائة من النفايات الصحية التي تجمع من المستشفيات والمصحات تعالج في المكبّات باعتبارها نفايات عضوية واصفا الأمر بالخطير.

وأضاف ذات المصدر “إبان الجائحة الصحية في مارس /أذار 2020، أعلنت وزارة البيئة التونسيّة عن استراتيجية لحماية البيئة من النفايات التي أفرزتها التغيرات الصحية العالمية” لكن على أرض الواقع يؤكد حسام حمدي الناشط البيئي أنه لا أثر لأي سياسة بيئية. وقال “وحدها الجمعيات البيئية والمجتمع المدني يقومون بجهود حثيثة من أجل الحد من خطر النفايات على حياة المواطنين لكن ذلك غير كاف”.

 وتابع حمدي أن مقاطع فيديو جمعها نشطاء من شبكة تونس الخضراء من داخل مراكز الحجر الصحي للمصابين بفيروس كورونا كشفت أن النفايات التي يفرزها المصابون بالفيروس التاجي تلقى في الطبيعة دون أي معالجة .

وأكد الناشط البيئي أن بعض المصحات الخاصة متورطة أيضا فيما وصفه بإرتكاب جرائم بيئية عبر إلقاء فضلات مسالك الكوفيد في الطبيعة دون أية معالجة.

– كورونا يعمّق الانتهاكات البيئية في تونس –

ويخضع التصرف ومعالجة النفايات الطبية لقانون صدر عام 1996، وتنص قرارات حكومية عديدة على “ضرورة تولي الوحدات الصحية القيام بعملية الانتقاء للنفايات الصحية الخطرة من المصدر، ويشترط أن تجري معالجة النفايات الطبية الخطيرة هذه في وحدات خاصة”.

واتفقت التدابير والتوجيهات الحكومية حول العالم على ضرورة إلقاء الكمامات ذات الاستخدام الواحد بوضعها داخل اثنين من أكياس القمامة، على أن يكون الكيس الخارجي مربوطًا بعناية ثم يلقى بعيدًا عن نفايات الآخرين. أما بالنسبة للكمامات، فتشدّد منظمة الصحة العالمية على ضرورة التخلص من الكمامة ما إن تصبح رطبة، ومن أجل خلعها يتعين غسل اليدين أولًا، ثم سحبها من خلف الأذن أو شريط الرأس، مع مراعاة عدم ملامسة واجهة الكمامة، ثم خلعها بعيدًا عن الوجه، وإلقائها فورًا في سلة القمامة، ثم تنظيف اليدين بمطهر كحولي أو غسلها بالماء والصابون.

وبسبب ضعف الحملات التوعوية في تونس، يبدو تطبيق هذه الإجراءات حلما صعب المنال، وسط ارتفاع معدلات الإصابة بمتحور أوميكرون بنسق سريع رغم ارتفاع معدل التلقيح إلى حوالي 45 بالمائة من السكان.

و أبرزت الخبيرة المناخية “آمنة الفراتي” أن وباء كورونا  أدّى إلى زيادة وطأة الأزمة المناخية في تونس  مشيرة إلى أنّ تزايد إستعمال المواد البلاستيكية الذي رافق هذه الجائحة  ساهم بشكل كبير في تفاقم آثار تغير المناخ بإعتبار أن إنتاجه وإعادة تدويره يؤدي إلى تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة.

ٱمنة الفراتي

وأضافت الخبيرة المناخية، في تصريح لموقع Youth Magazine ، أن تفشي وباء كوفيد -19 عمّق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه المرأة الريفية في تونس.

و شدّدت آمنة  على ضرورة التدخل العاجل لحل الأزمة الصحية التي تعاني منها تونس مع إلزامية الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية  إلى جانب العمل على تعزيز مكانة المرأة  باعتبار   الدور الرئيسي الذي لعبته في بداية الأزمة  من خلال المساهمة في إدارة النفايات المنزلية و في صناعة الكمامات المتعددة الإستعمال .

من جهته، أكّد عضو غرفة جمع وتدوير النفايات الطبية، وليد الحامدي، أن النفايات الطبية تضاعفت منذ الجائحة الصحية، فيما تعاني شركات الرسكلة والتدوير صعوبات كبيرة بسبب عدم السماح لها بزيادة طاقة التخزين إلى جانب صعوبات لوجستية عديدة تعترض الشركات العاملة في هذا القطاع.

وأشار وليد الحامدي، في تصريح لموقع “Youth Magazine” ، أن  المستشفيات والمصحات التونسية تفرز سنوياً 18 ألف طن من النفايات الطبية، من بينها 8 آلاف طن من النفايات الخطرة التي تخضع للمراقبة ،غير أن الجائحة الصحية ومراكز علاج الكوفيد ومراكز التلقيح زادت في كميات النفايات بنحو 90 بالمائة.

وأفاد الحامدي “شركات تدوير ومعالجة النفايات الطبية لا تتمتع بأي امتياز حكومي كما لا تجد المساعدة الكافية والتسهيلات للقيام بدورها والتقليص من مخاطر الجائحة الصحية على البيئة “. وترفع شركات خاصة تنشط في مجال التصرف بالنفايات الطبية ومعالجتها، تلك النفايات من 210 منشآت صحّية عامة، و110 مصحّات خاصة، و165 مركزاً لتحليل الدم، و500 مختبر. وتشير أرقام رسمية كشفت عنها وزارة البيئة أنّ معالجة هذه النفايات تتراوح نسبتها بين 85 و94 في المائة، وقد لا تتجاوز، أحياناً، مستوى 45 في المائة.

وتخضع إدارة النفايات الطبية الخطيرة في تونس إلى مراقبة لجنة وطنية استشارية، كما تلقت البلاد دعما ماليا بين سنتي 2012 و 2017 لمرافقة 12 ولاية في التصرّف في النفايات الخطرة عبر مساعدة فنية واقتناء تجهيزات لتكييف النفايات الخطرة وتوفير التدريب اللازم للموارد البشرية في هذا المجال. وتعمل وزارة البيئة التونسية على توفير تمويلات بحجم 10 ملايين دولار لمواصلة هذا البرنامج، كما يتوفر برنامج لدى وزارة الصحة للعمل على معالجة النفايات الخطرة.

مع ذلك، تحوم شبهات فساد عديدة حول قطاع إدارة النفايات في تونس. ففي ماي (أيار/مايو) 2015، أماط تقرير أجراه موقع نواة الاستقصائي اللثام على سوء الحوكمة والفساد المستشري في إدارة أكبر مصبّ نفايات تديره الدولة، وهو مصبّ نفايات برج شاكير الكائن في بلدية سيدي حسين، إحدى الضواحي الجنوبية لمدينة تونس التي تضم عدداً من الأحياء الشعبية. ووصف التقرير الوضع في موجزٍ وافٍ ورد فيه: بالنظر إلى مردوديتها الكبيرة، مثّل قطاع تصريف النفايات مجالاً خصباً للفساد واتسمت أعماله طيلة سنوات بالغموض حتّى على المستوى المؤسساتيّ.

و في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2020، أقيل مصطفى العروي، وزير الشؤون المحلية والبيئة سابقاً، من منصبه بسبب شبهات فساد. كما اعتقل مع عدد من كبار المسؤولين في وزارته، وذلك على خلفية التحقيقات الجارية في ملف قضية ما بات يُعرف في تونس بـ “نفايات إيطاليا”، تم خلالها تسهيل نقل 282 حاوية تحتوي على 480 طن من النفايات الإيطالية إلى تونس عبر ميناء سوسة.

وعصفت هذه الفضيحة كذلك بالمدير العام للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، فيصل بالضيافي، الذي أقاله رئيس الحكومة التونسية الأسبق هشام المشيشي في الثاني عشر من نوفمبر 2020.

تم اعداد هذه القصة ضمن مبادرة MédiaLab Environnement و هو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFi

 

اقرأ/ي أيضا: تغيّر المناخ يهيّأ بيئة خصبة لانتشار الأوبئة

– كورونا يعمّق الانتهاكات البيئية في تونس –