بسبب تغيّر المناخ و الإنتهاكات البشريّة, التنوّع البيولوجي في تونس مهدّد بالإضمحلال

إعلان

تغيّر المناخ و تأثيره على التنوّع البيولوجي في تونس –

وسط تدهور ينذر بالخطر بسبب الزراعة والحراجة المكثفة والزحف العمراني والتلوث، تسعى تونس، التي تحتوي على 69 مجموعة من النظم البيئية الطبيعية و12 مجموعة من النظم الزراعية، إلى حماية نظامها البيئي وتنوعها البيولوجي.

و رغم صغر مساحتها ( 163 ألف كم مربع أرضا و85 ألف كم مربع بالجرف القاري البحري)، تتميّز تونس  بخصائص طبيعية ومناخية  فريدة جعلت منها خزانا بيولوجيا وإيكولوجيا ذو أهمية وطنية ومتوسطية، حيثُ أنها ووفقاً لبيانات وزارة البيئة التونسية، تضم 7 منظومات إيكولوجية كبرى وهي النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية، والجزر، والجبال والغابات، والنظم الإيكولوجية الصحراوية، والواحات، والأراضي الرطبة، والمنظومات الزراعية.

وتختزن هذه المنظومات تنوعا بيولوجيا ثريا كما وكيفا، وتضم أكثر من 7500 نوعا، منها 800 3 نوعا من النباتات والحيوانات البرية و 700 3 نوعا بحريا بالإضافة إلى 32 مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة تتوزع على 22650 سلالة بحسب الصندوق العالمي للطبيعة في تونس.

** إعلان **

إعلان

ويساهم هذا التنوّع البيولوجي في دعم الجهود المبذولة للحد من الآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ. كما يمكن للنظم الطبيعة المحمية أو المستعادة امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. انها بالتالي عامل جوهري في معالجة تغير المناخ عن طريق تخزين الكربون. علاوةً على ذلك، يمكن للنظم الطبيعية مثل غابات الزان بمنطقة عين دراهم (شمال غرب تونس)، ان تساعد على حماية سلامة البيئة وسبل تحسينها، وذلك من خلال تقليل آثار تغير المناخ، بما في ذلك الفيضانات والعواصف العاتية.

وتشكل غابات الزان في تونس قرابة 8 آلاف هكتار بينما تقدّر المساحات الغابية التي يمتزج فيهـــا هــذا النوع النباتي (الزان) مــع أشجار الفــــرنان ما يناهز 22 ألف هكتار، وهي موجودة غالباً في ولايات جندوبة وباجة والكاف، بينما تشير المعلومات الى انقراض هذان النوعان من الأشجار تقريبا في ولاية بنزرت والوطن القبلي، وذلك بسبب التغيّرات المناخية.

إعلان

ويمثل تغير المناخ والنشاط البشري تهديدا حقيقيّا للتنوع الحيوي، مما يزيد من معدل انقراض الأنواع، الأمر الذي يحدّ من القدرة على مكافحة التصحر، والحد من الفقر، ويهدد الأمن الغذائي.

وكشفت العديد من تقارير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) عن تعرّض النظم البيئية في تونس إلى ضغوطات تهدّد بقاء آلاف الأنواع والموائل الحيوانية. وفي أفريل 2020، قامت عصابات منظمة بقطع أكثر من 400 شجرة بمعتمدية عين دراهم بهدف بيعها لمقاه وفنادق لاستعمالها في التدخين بواسطة النارجيلة (الشيشة) وفق تقارير صحفية محلية.

** إعلان **

وبحسب المدير العام للغابات محمد بوفروة بتونس كما صرّح للوكالات الصحفية، فان الاعتداءات على الغابات تضاعفت في فترة الحجر الصحي أثناء تفشي وباء كورونا. وكشف عن رصد ما يقارب 200 حالة اعتداء الأنواع النباتية والحيوانية من خلال الصيد وقطع الأشجار. يذكر ان هناك أشجار تعرضت للقطع يعود تاريخها الى نحو ثلاثمائة سنة، وهي أشجار طبيعية ذات طابع بيئي وغير قابلة للتجديد. ويحدث ذلك على رغم ان القانون التونسيّ يمنع منعا باتا قطعها أو تقليمها أو المساس بها لأي سبب كان، وذلك لندرتها عالميا، فضلا عن كونها من الأشجار المهددة بالانقراض.

و أبرزت الباحثة في مجال البيئة “زينة نصر” أنّ التنوّع البيولوجي في تونس يتركّز في قسمه الأكبر في المناطق الريفيّة وهي جهات تتميّز غالبا بضعف منوالها التنموي و يتنامى فيها الإحساس بالغبن، الأمر الذي يؤدي غالبا إلى ظهور ردة فعل من  المجتمعات المحلية لمحاولة توفير مصدر دخل من النظم البيئية المتوفرة بغض النظر عن قانونيتها.

الباحثة في مجال البيئة “زينة نصر”

وأضافت نصر، في تصريح لموقع ،Youth Magazine أن هذه الممارسات تستنزف الطبيعة بشدّة و تؤثر بشكل كبير على التنوّع البيولوجي في تونس لأنّ النظم البيئية المتضررة تعدّ أكثر هشاشة و أقلّ مرونة للتعامل مع الأحداث المتطرفة والأمراض المستجدة، داعية إلى سنّ تشريعات صارمة لحماية الموروث الجيني في البلاد.

** إعلان **

وتُعدّ الموارد الغابية مورد رزق هامّ لآلاف من سكان المناطق الريفية بالشمال الغربي التونسي ، وتمّ تنظيم عملية استغلال بعض المنتجات الغابية بقوانين لحماية الغابات من التصحر، وتتمثل المنتجات الغابية المُستغلة في الصنوبر والفلين والزعتر والإكليل الجبلي والخروب والزقوقو، وغيرها.

و حثّت الباحثة في مجال البيئة زينة نصر السلطات التونسية على العمل على خلق مواطن شغل مستدامة لخفض الإحتقان الإجتماعي الذي يؤثر بشكل مباشر على استغلال الموارد الطبيعية مثل الغابات والمراعي وغيرها. وإلى جانب الغابات الواقعة شمال البلاد، تعد المراعي القاحلة في الجنوب التونسي من بين أهم النظم البيئية التي توفر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الخدمات للمجتمعات الرعوية والزراعية.

في هذا الإطار، أشارت دراسة علمية حديثة إلى أن المراعي القاحلة والصحراوية في ولاية تطاوين (جنوب شرق تونس) تعرضت للتدهور بسبب النشاط البشري مثل الرعي الجائر والظروف المناخية القاسية كالجفاف لفترة طويلة من الزمن، وحالتها العامة آخذة في التدهور. وبحسب هذه الدراسة التي أجراها باحثون من المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا) ونشرت في دورية (لاند) Land العلمية في شهر مارس/آذار 2021 تتبع هذه النباتات استراتيجيات الداخلية الطبيعية للتغلب على الظروف المناخية القاسية، وذلك من خلال قدرتها على السكون والتعامل مع الحرارة الشديدة والجفاف المتكرر، وحماية درجات حرارتها الداخلية وضمان عدم وصول جفاف الأنسجة إلى مستويات منخفضة. ويشدد الباحثون على ضرورة وضع برنامج شامل للحفاظ على التنوع البيولوجي يشمل الإدارة المستدامة للمراعي التي توسع المناطق المحمية التي تحتوي على موائل مناسبة للأنواع النادرة والمتوطنة.

** إعلان **

ولا تبدو وضعيّة النظام الإيكولوجي البحري في تونس أقل سوء، حيث أدّى التلوث الذي يسببه النقل البحري والصيد الجائر غير المراقب إلى أضرار جسيمة طالت الثروة السمكية والتنوع الحيوي البحري. وأكدت المهندسة والناشطة البيئية “مريم ملاك” أنّ النظم البحرية من بين النظم الطبيعية المهددة باندثار التنوع البيولوجي فيها، لافتة إلى أنّ العديد من العوامل ساهمت بشكل كبير وبطريقة مباشرة في نقص مخزون الثروة البحرية وانقراض بعض الأنواع من الأسماك. وأوضحت ملاك، في تصريح لموقع، Youth Magazine أنّ هذه التداعيات انعكست سلبا على اقتصادات المجتمعات المحليّة حيث تهاوت مداخيل مئات البحّارة وتدهورت وضعيتهم المعيشية.

المهندسة والناشطة البيئية “مريم ملاك”

وأضافت الناشطة البيئية أن التغيرات المناخية من ارتفاع لدرجات حرارة المياه ونسب الملوحة أدت إلى اختلال التنوع البيولوجي البحري في تونس وهو ما ساهم في ظهور حيوانات جديدة مثل السلطعون الأزرق الذي غزا الشريط الساحلي فضلا عن تراجع مخزون جراد البحر.

تم اعداد هذه القصة ضمن مبادرة MédiaLab Environnement و هو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFi
الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFi

 

اقرأ/ي أيضا: فيروس كورونا يعمّق الانتهاكات البيئية في تونس

تغيّر المناخ و تأثيره على التنوّع البيولوجي في تونس –