نفوق الأسماك في الشواطئ التونسية.. تلوّث أم طحالب مجهرية ؟

إعلان

نفوق الأسماك في الشواطئ التونسية –

” صيد الأسماك هو الحرفة الوحيدة التي أُتقنها. و لكن بعد 30 سنة من مزاولة هذه المهنة، أعتقد أنّ الكائنات الحيّة أضحت ” تتذمر” من الانتهاكات البيئية و وصلت للشاطئ لتعلمنا أنّ ناقوس الخطر قد قُرع فعلا.”

هكذا صرّح البحار التونسيّ فتحي النالوفي لموقع “Youth Magazine” وهو يشاهد نفوق مئات الأسماك على شواطئ جزيرة جربة.

مضيفا ” ما يثير قلقي أن هذه الحالة ليست حدثا عابرا أو معزولاً، إذ شهدت شواطئ أخرى عملية  نفوق عدد كبير من الأسماك ذات الأحجام المتوسطة و الصغيرة. هذا يعني أنّ ثروتنا السمكيّة، التي تمثّل مصدر رزق الآلاف، مهدّدة بالاندثار.”

يشير فتحي إلى حالة أخرى شهدتها تونس قبل ثلاث سنوات، ففي الخامس من 5 آب/أغسطس 2018 ، فوجئ صيادون من منطقة شط السلام بالقرب من محافظة قابس  بمشهد مروّع : مئات الأسماك النافقة على الشاطئ.

أثار الأمر غضب السكّان الذين دقوا ناقوس الخطر وهم يشاهدون النظام البيئي بمنطقتهم يتهاوى. و توجّهت أصابع الاتهام إلى أقرب مصدر للتلوّث  وأكبره على الإطلاق: المجمع الكيميائي بقابس.

 

وجهة نظر السلطات الرسميّة:

آنذاك، تفاعلت وزارة الفلاحة (الزراعة) التونسيّة مع أزمة نفوق الأسماك وأصدرت بيانا أكدت فيه إن “نفوق الأسماك والرخويات بمناطق متفرقة من خليج قابس يعود إلى تكاثر نوع من الطحالب المجهرية المضرة بالأحياء البحرية، والتي أدت أيضا إلى احمرار مياه البحر”.

و أوضحت الوزارة أنها قامت بالشراكة مع  وزارة الشؤون المحلية والبيئة بتنفيذ خطة تدخل مشتركة لتحديد مسببات النفوق منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واستخدمت الوسائل البحرية والجوية للقيام بمعاينات ميدانية وأخذ العينات مباشرة إثر ورود معلومات تفيد بوجود تلوث نفطي بمنطقة المشاني بجزيرة قرقنة.

وحسب الوزارة، فإنه “تم تحديد مصدر التلوث واتخاذ الإجراءات القانونية ذات العلاقة بمعالجة مخلفاته، مُشيرة  إلى أن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة خلال الصيف الماضي تسبب في نفوق الإسفنج بكل من المنستير و قرقنة وجرجيس، وأن الظاهرة حدثت في الماضي وشملت عدة دول بالبحر المتوسط”.

من جهته ، أرجع معهد علوم وتكنولوجيات البحار نفوق أسماك في مثل هذه الفترة من السنة (آب/أغسطس-سبتمبر/أيلول على وجه بالخصوص) إلى العوامل المناخية (حرارة مرتفعة، انعدام او قلة الرياح والتيارات البحرية) التي تساهم في استقرار مياه البحر و هو ما يساهم في ارتفاع نسبة هذه الطحالب بصفة كبيرة في ماء البحر الأمر الذي يساهم في الحد من نسبة الأكسجين والفتك بالكائنات الحية البحرية.

رواية أكدها رئيس دائرة الصيد البحري  بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بولاية مدنين شهاب الحافي الذي صرّح لموقع “Youth Magazine” أنّ هذه  الظاهرة تشبه ظاهرة المياه الحمراء التي تبرز في المياه قليلة الارتفاع وتعرفها معظم مناطق الجنوب التونسي من شواطئ العامرة شمالا إلى بوغرارة جنوبا. ”

 

نشطاء المجتمع المدني يشكّكون

أكد الناشط الجمعياتي عبد المجيد دبّار في تصريح لموقع “Youth Magazine” أنّ المواد السامة  التي تطلقها المجمعات الكيميائية بكل من  محافظتي صفاقس وقابس قد أحدثت ضررا كبيرا بالأسماك ، مشيرا إلى اعتماد قطب الصخيرة على تقنيات حديثة ” لإخفاء” الكميات الهائلة من الانبعاثات الكيميائية التي تصدرها.”

كما وجّه دبّار أصابع الاتهام لناقلات النفط الأجنبيّة التي تفرغ صهاريج من  مياه صابورة السفن بالسواحل التونسية للتزود بالبترول الخام .

وتؤمن مياه الصابورة عملية توازن وثبات السفن، عبر إدخال مياه إلى خزّانات إضافية من أجل الحصول على وزن إضافي ، إلا أنها تحمل مع المياه الكائنات البحرية المتواجدة فيها والتي تتكون غالبا من  طحالب وكائنات بحرية ضارة .

من ناحية أخر ، وجّه مختصون ، فضلوا حجب هويتهم ، أصابع الاتهام إلى المجمع الكيميائي بقابس وهي شركة حكومية أنشئت في أحد المجمعات بالقرب من المدينة في عام 1972، وهي تقوم بمعالجة الفوسفات الطبيعي وتحويله إلى سماد كيماوي موجه للاستخدام في الزراعة المكثفة.

و كشف تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية ، سنة 2016، عن تفريغ المجمع ل 6000 طن من المخلفات يوميا في شكل طين يحتوي على معادن ثقيلة وعلى الفلور.

في هذا الإطار، أشار رئيس جمعية قابس للتنمية المستدامة ، نزيه العودي ، أن” المجمع الكيميائي بقابس يقوم من وقت لأخر بعملية تطهير، أي أنه يتخلص من النفايات في حوض مجاور تتدفق مياهه مباشرة في البحر. وحسب رأينا فهذا ما حدث الخامس من آب/أغسطس    وأدى إلى نفوق مئات الأسماك التي جرفتها الأمواج إلى الشاطئ.

مضيفا ” لا يختلف اثنان بأنّ  نفايات المصنع تؤثر على جودة مياه البحر و بالتالي على الأسماك. هذا الأمر أوقف حركة الصيد في شط السلام منذ سنوات. إذ نضطر إلى الإبحار شمالا باتجاه صفاقس أو جنوبا صوب جرجيس لأننا لا نستطيع العثور على أي شيء نصيده في سواحلنا. فالمصنع قضى على معظم الحياة البحرية. »

 

المجمع الكيميائي ينفي

نفت ادارة المجمع الكيميائي التونسي بقابس في بيان توضيحي، عقب الحادثة ، ما راج في صفوف البحارة عن نفوق كمية كبيرة من الأسماك بمحافظة قابس بسبب تسرب بعض المواد الملوثة وتحديدا مادة ” الامونيا ” الى البحر، مؤكدة ان اخر سفينة محملة بهذه المادة التي يستوردها المجمع قد حلت بالميناء التجاري بقابس خلال شهر يونيو/ حزيران وانهت افراغ حمولتها خلال الفترة الممتدة من 23 الى 25 يونيو/ حزيران.

وأكدت إدارة المجمع في ذات البيان انها لم تسجل أي تسرب لمادة ” الامونيا” وأن أغلبية وحدات الانتاج متوقفة عن العمل بسبب نقص مادة الفوسفاط وبالتالي لا علاقة لهذه الظاهرة بنشاط هذا المجمع، مشيرة الى ان ظاهرة نفوق الاسماك قد سجلت بعديد السواحل التونسية وتعود لظهور الطحالب المجهرية بسبب العوامل المناخية.

وذكّرت ادارة المجمع في ذات البيان بالتوضيح الذي تحصلت عليه محافظة قابس من الوكالة الوطنية لحماية المحيط و تم نشره على الصفحة الرسمية للولاية، وهو توضيح خاص بنتائج التحاليل التي اجراها معهد علوم وتكنولوجيا البحار بصفاقس والمخبر المركزي لهذا المعهد بتونس على عينات من الأسماك النافقة، وفسرت هذا النفوق بارتفاع نسبة الطحالب المجهرية بفعل العوامل المناخية وهي طحالب تساهم في الحد من نسبة الاوكسجين وفي الفتك بالكائنات الحية البحرية.

 

نفوق الأسماك في الشواطئ التونسية –

[better-ads type=”banner” banner=”3938″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″ lazy-load=””][/better-ads]

 

التفسير العلمي للظاهرة

تُرجع  منظمات الصحّة العالمية نفوق الأسماك   – Harmful Algae Bloom –   إلى تكاثر الطحالب الضارة بسبب بعض أنواع الهائمات البحرية – Phytoplanktons – خلال فترات  من  السنة   خصوصا مع توفّر عوامل انتشارها على غرار المغذيات مثل النيتروجين  والفوسفور والحديد والزنك فضلا عن ارتفاع درجة الحرارة وهوما يمثّل أرضية خصبة لتزايد أعداد الطحالب العلقيّة إلى مستويات كبيرة.

في هذا الإطار، اعتبر الخبير البيئيّ  العروسي بالطيّب، في تصريح لموقع “Youth Magazine” ، أنّ النمو غير الاعتيادي للعوالق أو الهائمات النباتية (طحالب مجهرية دقيقة) التي تتكاثر في المياه السطحية بصورة فائقة يؤدي إلى استنفاد أو نقص الأكسجين المذاب بالمياه، وبالتالي هلاك الأسماك والكائنات البحرية الأخرى بشكل جماعي نتيجة اختناقها وعدم قدرتها على التنفس أو نتيجة انسداد خياشيمها من أثر كثافة الطحالب المزدهرة. إلا أنّه أشار إلى أن مرور عدد من البواخر التي قد تفرغ شحنات من المواد السامّة في عرض البحر، بعيدا عن أعين الشرطة البحرية، قد تكون سببا لنفوق الكائنات البحريّة.

و أشارت مصادر طبيّة متطابقة  أنّ نفوق الأسماك يمكن أن يحدث بسبب الحرارة و الطحالب عندما يكون الماء راكدا تماما أو جزئيا ، إذ يساهم تفريغ كميات كبيرة من الفوسفاط في المياه  في تكوّن الطحالب وعدس الماء، وهي نباتات تستهلك الكثير من الأكسجين وتحجب الضوء عن الماء، مما يؤذي الكائنات الحية الأخرى التي تعيش في هذا الوسط. لكن مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي  تشير إلى هبوب عاصفة هوجاء ليلة اكتشاف النفوق ، ما يجعل الشرط المذكور غير متوفّر.

 

تم اعداد هذه القصة ضمن مبادرة MédiaLab Environnement و هو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFi
الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFi

 

إعلان

اقرأ/ي أيضا: فيروس كورونا يعمّق الانتهاكات البيئية في تونس
نفوق الأسماك في الشواطئ التونسية –